يرى كثيرون في السودان أن عام 2021 يمثل الأشد قسوة عليهم، كونه شهد إجراء جراحات مؤلمة لإنقاذ اقتصاد البلاد المتدهور، ومع اقتراب 2022، ما يزال السودانيون ينتظرون نتائج روشتة الإصلاح الاقتصادي التي جرى تطبيقها بإشراف صندوق النقد الدولي، أن تنعكس على واقعهم المرير وتخفف وطأة المعاناة
علاج صندوق النقد الدولي والتي اصطلح على تسميتها إعلامياً بـ”الدواء المر” أشعلت نيران التضخم في السودان، وقادت إلى موجة غلاء طاحنة في أسعار السلع مما ألقى بأعباء كبيرة على المواطنين خاصة الشرائح الضعيفة، بينما بدت السلطات المعنية في البلاد واثقة من نتائج جيدة سوف تتحقق خلال المدى المتوسط والطويل.
ورغم استمرار موجة الغلاء الطاحن في السودان، يعتقد خبراء أن الإصلاحات الاقتصادية حققت كثيرا من الفوائد المرضية حتى الآن، فهي أسهمت في عودة الخرطوم إلى مجتمع التنمية الدولي وتخفيف ديونها الخارجية، فضلاً حدوث استقرار في سعر الصرف ومعدلات التضخم، الشيء الذي يستوجب المضي قدماً فيها خلال موازنة العام المقبل
وبدأ مشوار الإصلاح الاقتصادي في السودان مع حلول عام 2021، بقرار قاسٍ قضى بتحريك السعر الرسمي للعملة الوطنية، حيث تم رفع سعر الدولار الأمريكي من 55 جنيهاً إلى 375 جنيها، إجراء وصف يومها بالتعويم الجزئي للجنيه
ولم يمض طويلاً، قررت الحكومة السودانية خفض الدعم الموجه للوقود “البنزين، الجازولين” قبل أن تلغي دعم المحروقات كليا في شهر يوليو الماضي، في خطوة وجدت استهجاناً من الشارع يومها.وتبع هذه الخطوة خفض الدعم الحكومي الموجه للقمح والكهرباء، ما أدى لظهور خبز تجاري غالي الثمن وبجودة عالية، وآخر مدعوم شحيح وغير متوفر
وسبق ذلك إلغاء ما يسمى بالدولار الجمركي، وهو تعرفة محددة لاحتساب قيمة السلع المستوردة وضعتها سلطات التخليص في المطارات والموانئ السودانية، وكان واحدا من أبرز التشوهات في الاقتصاد وفق وزارة المالية.
تدابير قاسية أقدمت عليها الحكومة السودانية بشجاعة متناهية، تسببت في ضائقة معيشية ومعاناة بالغة تجلت في ارتفاع جنوني في أسعار مجمل السلع الاستهلاكية والخدمات
وتضاعفت أسعار بعض السلع عشرات المرات، حيث ارتفعت سعر الخبزة من جنيهين إلى 35 جنيها في المخابز التجارية، بينما تباع بـ5 جنيهات في مخابز مدعومة لكن بجودة أقل، فضلاً ندرة يواجهها الرغيف في هذا القطاع، وإلى جانب ذلك ارتفع معدل التضخم ووصل إلى أرقام قياسية، حيث سجل 422.78% خلال يوليو الماضي، قبل أن يتراجع لأول مرة بمقدار 35 نقطة في سبتمبر، إذ سجل 365.82% في مؤشر لبدء التعافي الاقتصادي
ولم تتوقف المعاناة عند هذا الحد، فرغم الغلاء كانت هناك ندرة وشح في بعض السلع خاصة الخبز والمحروقات والتي تضطر السودانيون للوقوف في طوابير أمام المخابز ومحطات الوقود لساعات طوال للتذود بهذه المنتجات
ويقول الخبير الاقتصادي علي إبراهيم إن روشتة صندوق النقد الدولي كانت مهمة لإزالة التشوهات عن الاقتصاد السوداني وكسر عزلة البلاد، وإعادتها لمجتمع التنمية الدولي
وأشار إبراهيم في حديثه لـ”العين الإخبارية” إلى تطبيق هذه الإصلاحات فتح أبواب الدعم المالي الدولي على السودان، بجانب خفض الدين الخارجي بالاستفادة من مبادرة هيبك، وفتحت آفاقاً للاستثمار.
ورأى أن الإخفاق التي حدثت بعد تطبيق هذه الإجراءات خاصة تصاعد التضخم وتراجع قيمة العملة الوطنية، كان بسبب شح التمويل الخارجي، فكانت هذه الإصلاحات بحاجة إلى احتياطي نقدي لا يقل عن 5 مليارات دولار على الأقل بخزينة البنك المركزي
وتعهدت دول غربية وعربية بتقديم دعم عيني لبرنامج “ثمرات” الذي تبنته الحكومة السودانية لمساعدة الأسر الفقيرة، بجانب تعهدات مماثل بدعم مشروعات برامج الإنتقال الديمقراطي
لكن تلك البلدان بما فيها البنك الدولي أعلنت وقف هذه المساعدات اعتراضاً على قرارات اتخذها قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان قضت بفرض الطوارئ في البلاد، وحل مجلسي السيادة والوزراء وإنهاء الشراكة السياسية مع تحالف الحرية والتغيير الائتلاف المدني الحاكم سابقاً
ورغم توقيع اتفاق سياسي في السودان أعاد الدكتور عبدالله حمدوك إلى منصبه رئيساً للوزراء، إلا أنه لم يطرأ جديد بشأن استئناف المساعدات الدولية إلى البلاد، وهو ما أثار القلق على مستقبل الإصلاحات الاقتصادية
ويرى الخبير الاقتصادي “أحمد خليل” ضرورة المضي قدماً في برنامج الإصلاح الاقتصادي خلال العام القبل 2022م، للنتائج التي تحققت من هذه السياسات
وقال خليل في حديثه، إن هذه الإصلاحات سيكون مصيرها الفشل إذا لم تستأنف المساعدات الدولية والمضي في مساعي إعفاء الدين الخارجي،وأضاف “عودة المساعدات الدولية مرتبط بضمان استئناف مسار الانتقال الديمقراطي في السودان، والذي يتوقف عند حد عودة الدكتور عبدالله حمدوك لرئاسة الورزاء
عامُ ينقضي بأزماته الاقتصادية الطاحنة، بينما لا يزال الأمل يحدو لكثيرين بأن تحمل السنة الجديدة بشريات الرخاء المعيشي ووداع الضوائق إلى الأبد