معادلة البرهان.. إيران، تركيا، تطبيع
معادلة البرهان.. إيران، تركيا، تطبيع
من يراهن على عبد الفتاح البرهان في إعادة بناء السودان يتجاهل السياق العميق الذي تشكّل فيه الجيش السوداني، وهو سياق أيديولوجي وعقائدي لا علاقة له بمفاهيم الدولة الوطنية الحديثة. فهذا الجيش لم يولد من رحم مؤسسات وطنية محترفة، بل من رحم انقلاب 1989 الذي قادته جماعة الإخوان المسلمين، وأعاد صياغة الدولة السودانية لتكون نقطة انطلاق لمشروع الإسلام السياسي في المنطقة، وهو المشروع الذي غلّف التخلف بأدوات سياسية حديثة، وفتح أبواب الخرطوم لحركات التطرف العابر للحدود.
البرهان ليس انحرافاً عن هذا المسار، بل استمرار له بلبوس مختلف، إذ أن المؤسسة العسكرية التي يقودها نشأت وتربّت في بيئة مشبعة بالفكر الإخواني، ومحاولة تقديمه كقائد مرحلة انتقالية لا تنفصل عن تراث هذه المنظومة. حتى خطواته "الإصلاحية" لم تكن سوى مناورات تكتيكية لامتصاص الضغط، لا قطيعة حقيقية مع الإرث القديم. واليوم، يعود ليعيد إنتاج المنظومة ذاتها، مستنداً إلى تحالفات إقليمية جديدة، لكنها لا تخرج عن إطار التوظيف السياسي والأمني لخدمة مشروع ضيّق، لا علاقة له بالدولة أو بمستقبلها.
إن أزمة السودان ليست مجرد صراع على السلطة بين جنرالين، بل هي نتيجة طبيعية لانهيار الدولة المركزية وفشل النخب في تمثيل التنوع السكاني وتأسيس عقد وطني جامع. بدون مراجعة شاملة لهذا النموذج، وبلا قطيعة واضحة مع البنية التي تأسست منذ انقلاب 1989، فإن كل ما يجري لا يعدو أن يكون إعادة تدوير للأزمة ذاتها، بوجوه مختلفة، وبكلفة إنسانية أشد فداحة.
0 Comments: