اخوان السودان يتحدون المجتمع الدولي بانتخاب رئيس مطلوب للجنائية الدولية
شهدت الساحة السياسية السودانية واحدة من أكثر اللحظات حساسية وخطورة، إذ اجتمع مجلس شورى المؤتمر الوطني في ظل ظروف غير عادية، ليعلن انتخاب أحمد هارون، المطلوب للجنائية الدولية، رئيسا للحزب. هذا التطور يعكس صراعا داخليا محتدما بين أجنحة متنافسة، حيث هيمن جناح متشدد بقيادة علي كرتي، الأمين العام للإخوان المسلمين، على المشهد. فهذا الحراك يمثل تحولا خطيرا نحو تأجيج النزعات المتطرفة وتغذية النزاعات السياسية داخل السودان.
هذا الاجتماع لم يكن مجرد تظاهرة حزبية، بل خطوة محسوبة بدقة ضمن إستراتيجية القوة الناعمة التي تتبناها تيارات متشددة للسيطرة على البنية التنظيمية للحزب. وعقد الاجتماع في بورتسودان تحت حماية وتأمين الحكومة المحلية، ما يثير تساؤلات عديدة حول تواطؤ مؤسسات الدولة مع هذه التحركات، مما يُظهر بوضوح تغلغل جناح علي كرتي داخل مراكز السلطة.
على الجانب الآخر، رفض جناح إبراهيم محمود، المدعوم من شخصيات بارزة مثل نافع علي نافع، هذا الاجتماع واعتبره خيانة للقيم الحزبية. وذهب هذا الجناح إلى أبعد من ذلك باتهام خصومه بأنهم وراء “مؤامرة 2019″ التي زجت بقيادات الحزب في السجون ومنعت الحزب من الوصول إلى موارده المالية. هذه الاتهامات ليست مجرد تصريحات عابرة، بل تعكس انقساما عميقا يمكن وصفه بـ”الانشطار الداخلي المميت” الذي يهدد بتفكيك الحركة الإسلامية ذاتها.
إن اختيار أحمد هارون ليس مجرد قرار تنظيمي؛ إنه إعلان واضح لانتصار منهج العزلة والصدام. يمثل هارون رمزا لفكر أحادي يعادي التعددية ويفضل المواجهة على الحوار. هذا القرار يبعث برسائل قوية إلى المجتمع الدولي، مفادها أن تيارات الإسلام السياسي في السودان تعيد ترتيب أوراقها بعيدا عن أيّ اعتبارات قانونية أو أخلاقية.
من زاوية أخرى، يبدو أن ما يحدث داخل المؤتمر الوطني لن يبقى حبيس جدران الحزب، بل سيمتد هذا الصراع إلى الجيش وكتائب الحركة الإسلامية، ما ينذر باحتمالية تصادم دموي بين الأجنحة المتناحرة. ويمكن وصف هذه اللحظة بـ”نقطة الارتطام الحتمي”، حيث تتلاقى المصالح المتعارضة في صراعٍ لا يبدو أن له نهاية قريبة.
اختيار أحمد هارون كرئيس للحزب يمثل استفزازا صريحا للمجتمع الدولي ويمثل انعطافا حادا نحو تعميق عزلة السودان دوليا. فبوجود شخصية تحمل إرثا من الجرائم والانتهاكات، فإن الحزب لا يكتفي بإثبات هيمنة جناح متشدد، بل يتعمد إرسال رسالة تحدٍ للمجتمع الدولي، وكأنما يسعى لتكريس منهجية العداء الصارخ تجاه النظام العالمي.
ما يحدث اليوم داخل المؤتمر الوطني يعكس “التشظي الداخلي العميق” الذي يلتهم الحركة الإسلامية في السودان. في خضم هذا التشظي تتحول القيم التنظيمية والسياسية إلى ساحة مفتوحة للصراعات الشخصية وتصفية الحسابات القديمة. هذه الديناميكية لا تهدد فقط استقرار الحزب، بل تمتد لتغذي حالة الانهيار السياسي الأوسع، مما يعيد السودان إلى مربع الأزمات المستدامة والانقسامات التي تزرع بذور التفكك في كافة المستويات.
هذه المرحلة تتطلب إعادة تعريف للقيم التي تحكم المشهد السياسي في السودان، بعيدا عن النزعات المتطرفة والشخصنة المدمرة. ومن دون ذلك، سيبقى السودان رهينة لتجارب قاسية تُدار بعقلية “الهدم الذاتي”، التي تحطم كل محاولات الاستقرار والتقدم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق